ريتا حايكن
هنالك الكثير من الأساطير المختلفة فيما يتعلق بموضوع الدعارة والنساء الموجودات في دائرة الدعارة في مجتمعنا، يلفّها جميعها الخيال ولا تستند إلى الواقع. نقوم في هذا الفصل بعرض جزء من هذه الأساطير الشائعة ومن ثم تفنيدها وتفكيكها بالحقائق والتفسيرات المهنية.
1. الأسطورة الأولى ـ الدعارة هي تعبير طبيعي عن جنسانية الإنسان، وهي حاجة طبيعية مثل الأكل والنوم وضرورية من أجل الحفاظ على المجتمع.
هذا الموقف نابع من الأسطورة التي تدعي أن للرجال غرائز جنسية غير قابلة للسيطرة، وهي تشكل إحدى التبريرات للدعارة، إلى جانب أنها تؤدي إلى تشييء المرأة ونزع إنسانيتها عبر تحويلها إلى أغراض تستعمل من أجل إشباع رغبات الرجال الجنسية. الجنس ليس حاجة مثل النوم والأكل، والتي تتعلق به حياة الإنسان. وأكثر من هذا، حقيقة أنه ليس كل الرجال يستهلكون الدعارة، بإمكاننا أن نسأل هل الحديث عن حاجة حقيقية أو أن تبريرها كعمل "طبيعي" يعطي الشرعية لتصرف مؤذٍ. في الواقع، النساء اللواتي يعملن في الدعارة يتعرضن لأذى كبير وتعكس وجود نظام تحكّم يتمّ من خلاله شَرْعنة نشاطات اجتماعية مؤذية للنساء على أنها طبيعية.
2. الأسطورة الثانية - الدعارة كانت دائما موجودة وستكون - أنها المهنة الأقدم في العالم
هذا الادعاء ليس صحيحا تاريخيا. هنالك مهن مثل الزراعة، القابلات وراعيات القطيع. الظاهرة متعلقة بالدينامكية الاجتماعية وليست معطى تاريخيا ثابتا بمعزل عن الأعراف والقوانين المتبعة في المجتمع. بالإضافة، ظاهرة القتل كانت وستكون على ما يبدو، ورغم هذا فاننا نسعى إلى تقليص الظاهرة ولا نستعملها كمبرر لشَرْعنتها.
3. الأسطورة الثالثة - الدعارة عبارة عن جريمة دون ضحايا
النساء اللواتي يعملن بالدعارة يتعرضن لاستغلال شديد من أجل إشباع الرغبات الجنسية لدى الرجال.
بعضهن يتعرّضن للاغتصاب والتحرّش الجنسي، وفي الكثير من الأحيان ضحايا الاستغلال هن من القاصرات. إن حقيقة تقاضي المرأة ثمنا مقابل العملية الجنسية لا تقلل من خطورة الاستغلال الاقتصادي، الجنسي والحسيّ التي تتعرض له.
4. الأسطورة الرابعة- "هذا اختيار حرّ"
لا يمكن أن يقوم الإنسان بالاختيار وهو واقع تحت التهديد. الاختيار الحرّ يحدث حينما تتوفر للإنسان خيارات متساوية. المرأة التي تنجرف إلى الدعارة تكون في العادة ضحية ظروف شخصية مثل تاريخ من التنكيل الجنسي أو الجسدي، إدمان وإهمال في الطفولة والتي أجبرتها على الدعارة. بالإضافة إلى ذلك، لا يمكن استعمال المصطلح اختيار حرّ حيال وضع ليس بالإمكان الخروج منه. استعمال هذا المصطلح يتيح للمجتمع العيش بسلام مع واقع من استغلال النساء.
5. الأسطورة الخامسة - "هذا مال سهل ولطيف وحتى وان لم يكن لطيفا، هنالك ربح مادي وكل شيء يزول"
العمل في الدعارة ليس هينا أو لطيفا. والحديث عن الربح المالي للنساء ليس دقيقا. فبالإضافة إلى الاستغلال الجنسي والحسي الذي يتعرضن له، فهن ، يتعرضن لاستغلال اقتصادي قاسٍ في غالبية الأحيان. إلى جانب ذلك، هنالك مخاطر كبيرة ترافق هذا العمل مثل العنف، الأمراض الجنسية، الحمل غير المرغوب به والإجهاض.
6. الأسطورة السادسة - "هذه مهنة مثل غيرها من المهن"
الانتماء إلى دائرة الدعارة لا يشبه أي عمل آخر. إنها مصحوبة باقتحام عنيف لخصوصية النساء وأجسادهن، وتصاحبها إسقاطات صعبة من الناحية الجسدية والنفسية وعلى مكانتهن في المجتمع. تصعّب دائرة الدعارة على من تطلب التحرر منها، وفي الكثير من الأحيان العاملات في هذا المجال هن سجينات بكل معنى الكلمة. العمل في الدعارة يعتبر عمل منحط ومهين في كل المجتمعات الإنسانية. كلمة "مومس أو بغيْ" تعتبر مسبّة مهينة وليس هنالك من سيوافق بسهولة أو بفرح على الانتماء لهذه الدائرة. اعتبار الدعارة مهنة يعطي الشرعية لتعامل متسامح مع الإهانة والعنف اللذين تتعرض لهما النساء في الدعارة.
7. الأسطورة السابعة - حياة الدعارة بيُمكن أن تكون متألقة ومثيرة
إن الأساطير عن الدعارة مستقاة في العادة من الجهل، ومن الخيالات الجنسية والتي مصدرها السينما، والتلفزيون والصحافة المكتوبة، بما في ذلك المنشورات الإباحية. أوصاف عن حياة متألقة، زيارة أماكن غريبة أو الثراء السريع من الممكن أن تغري نساءً صغيرات وبريئات في خوض تجربة الدعارة. هذه الأوصاف هي عكس ما هو موجود في الحقل من معاناة واستغلال وعنف من قبل زبائن وقوادين وأمراض جنسية وحمل غير مرغوب به.
8. الأسطورة الثامنة - النساء اللواتي يعملن في الدعارة يتمتعن بالقوة وقدرة على التأثير داخل الجهاز الذي يعملن به
إن النساء اللواتي يعملن بالدعارة يفتقدن إلى القدرة على التأثير على حياتهن بشكل مطلق تقريبا. عملهن يعرضهن للاستغلال والإهانة والتنكيل والعنف وصولاً إلى القتل، أيضا. من اللحظة الأولى التي تقابل بها المرأة القواد، تفقد حريتها في كل مجالات حياتها تقريبا.
9. الأسطورة التاسعة - الدعارة تقلّص من نسبة الجرائم الجنسية
توفّر هذه الأسطورة مبررا كاذبا للشرعية الاجتماعية لوجود الدعارة وصناعة الفورنوغرافيا. في الواقع، لا يوجد هناك أي دليل على أن الدعارة تقلّص من الجرائم الجنسية بل العكس هو الصحيح - من المعروف أن النساء اللواتي يعملن في الدعارة يقعن ضحايا للعنف، منها الاغتصاب والقتل مما يؤدي إلى ازدياد نسبة جرائم الجنس في المجتمع.
10. الأسطورة العاشرة - النساء في الدعارة ينتمين إلى مجموعات اجتماعية - اقتصادية معينة.
أبحاث كثيرة، مبنية على معرفة الحقل، تفند هذه الأسطورة بشكل قاطع. النساء اللواتي يعملن بالدعارة هن من جميع الطبقات، ولا يمكن الإشارة إلى وجود علاقة سببية بين الوضع الاجتماعي - الاقتصادي وبين العمل بالدعارة.
11. الأسطورة الحادية عشرة – تدخل القاصرات إلى دائرة الدعارة بعد عملية اتخاذ قرارات متزنة وإرادية
الدخول إلى دائرة الدعارة يحدث في الغالب في سنّ مبكرة، وهذا يتنافى مع القدرة على اتخاذ قرار بالغ ومتّزن. غالبية الفتيات اللواتي ينحدرن إلى الدعارة تعرّضن إلى العنف في طفولتهن، وفي الغالب، من الوالد أو شخص قريب. وتكون الطريقة الوحيدة لكسر دائرة العنف والخروج منها بالنسبة إلى غالبيتهن، هو الهرب من البيت.